هل المدن الجديدة للبشر أم للأشباح؟
العاصمة اليومكتب / محمد الطايع
جاء في القانون (59) لسنة 1979
في شأن المجتمعات العمرانية الجديدة، تعريف المجتمعات العمرانية الجديدة بأنها: "كل تجمع بشري متكامل، يستهدف خلق مراكز حضارية جديدة، تحقق
الاستقرار الاجتماعي والرخاء الاقتصادي (الصناعي، والزراعي، والتجاري وعير ذلك من
الأغراض)، بقصد إعادة توزيع السكان عن طريق إعداد مناطق جذب مستحدثة خارج نطاق
المدن والقرى القائمة". فهل هي فعلا مجتمعات عمرانية
متكاملة؟! هل تم مراعاة أن تساعد هذه المدن
على إعادة توزيع السكان؟! هل هي فعلا مناطق جاذبة للسكان؟! لم تضع الهيئة آليات تضمن انتقال المنتفعين من هذه المدن للسكن
فيها، وتعميرها، وفي نفس الوقت لا يوجد ما يدل على أن الهيئة قامت بالتنسيق اللازم
مع باقي الوزارات الخدمية لإنشاء الخدمات اللازمة لتكوين المجتمعات السكانية...
وكونها تبني المنشآت الخدمية، ثم تبحث عمن يدير ويشغل هذه المنشآت، أو تبني
التجمعات السكنية أولا، ثم تبحث بعد ذلك عن المستثمرين لتوفير الخدمات استثماريا،
لا يمثل دور الهيئة الحقيقي في إنشاء المجتمعات السكنية الجديدة، المجتمعات
المتكاملة، المجتمعات الجاذبة للسكان... التي فعلا تقوم بإعادة توزيع السكان على
المدن الجديدة خارج نطاق المدن والقرى القائمة. إن الظاهر لسكان هذه المدن الآن أن
الهيئة في عملها الحالي تقوم بدور أي شركة عقارات، فتركيزها منصب على إنشاء
الوحدات (شقق-أراضي) وبيعها لمن يشتري، دون الاهتمام بما سيأتي بعد عملية البناء،
فالأهم من بناء التجمعات الجديدة، هو تبني آلية تفرز المنتفعين الحاليين، من فيهم
أقام في وحدته أو أرضه التي اشتراها بدعم من الدولة، ومن فيهم تحايل على الدولة
وانتفع بأرض أو شقة دون أن يقيم فيها... ولا شك أن الدولة أفاقت مؤخرا لهذا
الإشكال فوضعت قانون الضبطية القضائية لمشاريع الإسكان الاجتماعي والتمويل
العقاري، لكن أين الإسكان المتوسط، والعائلي، من هذا القانون؟ إن أغلب مشاكل المدن
الجديدة تدور حول كلمة سر سحرية (الإشغال)، مشاكل في النظافة والتشوينات
والمخلفات، مشاكل في نقص الخدمات التجارية، مشاكل في نقص الخدمات الصحية، مشاكل في
نقص الخدمات الأمنية، والسبب: نقص الإشغال؟ فإلى متى يعيش الذين استلموا هذه
الوحدات بأحقيتهم حسب شروط التخصيص وانتقلوا للعيش فيها وتعميرها، وحسب الهدف
الأسمى للهيئة في إنشاء مجتمعات حضارية متكلمة جاذبة للسكان، يعيشون في هذه
المجتمعات كأنهم في المنفى، والسبب هو عدم وجود آليات تجبر أغلب الملاك المنتفعين
في هذه المدن بالإقامة فيها، لاستكمال البنية البشرية، والتي ستؤدي تلقائيا لتوفير
باقي الخدمات التجارية والصحية والتعليمية والترفيهية والاجتماعية والرياضية....
إلخ. إنها صرخة من المقيمين بالمدن
الجديدة نرفعها لهيئة المجتمعات العمرانية، ولمجلس رئاسة الوزراء... انقذونا، نحن الذين انتقلنا للمدن الجديدة على أمل أنها المتنفس من
الزحام، فإذا بنا نعيش في مدن يملؤها الأشباح، وومن جانب آخر فالوزارات الحكومية
لا تقدم خدماتها للأشباح...